سأنزل التحرير
منقول عن جريده الفجر
تاريخ ووقت النشر 6/2/2011 9:45:53 AM
ثورة بلا رأس أطاحت برأس بلا نظام.. لكن العجيب والغريب أن الثورة بدلا من أن تخلق لها رأس، ظهر لها ألف رأس، وكل رأس أصبح يعلق فشله علي فلول نظام غير موجود أصلا.
كثيرا ما كنا نجلد أنفسنا ونحن نتلذذ بذلك، ولما ثرنا وأخرجنا أفضل ما بداخلنا، شفينا من المازوخية ومر علينا يوم التنحي كأنه نسمة من نسمات الربيع جاءت بعد ثلاثين عاما من الصيف المستمر.
لكن للأسف، لم تدم الفرحة طويلا وراح كل فصيل يسعي جاهدا ليس ليتصدر المشهد فقط بل ليكون فيه منفردا وأن تكون بقية الفضائل والطوائف خلفه تهتف باسمه أو هكذا يراد للمشهد أن يكون.
وفي خضم الصراع حول الصدارة المنفردة نسينا أمرأ مهما، وهو أن الصدارة لم تعد تدوم لأحد، ولن تدوم لأحد وإن دامت لأحد ستتوحد بقية الفصائل والطوائف والاتجاهات عليه فيثور الناس عليه كما ثارت علي من قبله، لكن هذه المرة لن يصبر أحد علي الانتظار ثلاثين عاما، لأن أقصي مدة للانتظار لن تزيد علي أربع أو خمس سنوات.
مع نسياننا المتعمد لهذا الأمر، وعدم قبولنا بفكرة أن يتولي أمرنا الآخر الذي نختلف معه في الرؤيا وليس في الهدف أو المبادئ، ظهرت فينا أو غرس فينا إن شئت الدقة فيروس جديد، هو فلول النظام السابق والخوف المرضي علي الثورة من أن تقتنصها الثورة المضادة.
ليس هناك نظام أصلا حتي يكون له فلول.
الكيان الهلامي الذي كان يعيش علي جيش من قوات الأمن التي يبلغ تعدادها مليون ونصف المليون مخبر وأضف إليها ما يقرب من نصف مليون حرامي، ثم نحو ألف مواطن، لم تستطع أن تقاوم موجات الثورة المصرية التي وصل ارتفاعها نحو 12 مليون ثائر، فكيف لجيش كسيح منهزم ولصوص هاربين ان يحاربوا شعبا ثائرا، وكيف لألف مواطن من مؤيدي مبارك أن يحيكوا المؤامرات ويدبروا المكائد ويشعلوا الفتن ويحفروا الكمائن ليسقط فيها ثمانون مليون مصري.
ليس هناك نظام أصلا حتي يكون له فلول.
رجل بلغ من العمر أرذله، عاش علي هامش الحكم علي الأقل آخر سنتين من حكمه، ترك الحبل علي الغارب لابن مدلل أرعن احمق أتي بشلته واصدقائه ليركعوا بلدا ركعت له الدنيا وجاءت إليها خانعة تارة وغازية تارة أخري، فأدار الابن البلاد لا بهدف الحكم لكن بهدف التكويش والسرقة والنهب، فتحول إلي نموذج يحتذيه ما يقرب من نصف مليون حرامي بأوصاف مختلفة، رجال أعمال.. وزراء.. ضباط شرطة.. مسئولون كبار.. صحفيون.. اعلاميون.. رجال دين.
ليس هناك نظام أصلا حتي يكون له فلول.
وبعد أن تملكنا الخوف والرعب بدأ يمارس معنا لعبة الفزع، الحق.. البلد علي شفا الافلاس، إلحق.. عجلة الانتاج متوقفة تماما، إلحق.. البلطجية يغتصبون النساء والاطفال في الشوارع، الحق.. ليس هناك سولار في المحطات كيف سنعيش، الحق.. هناك من يريدون الوقيعة بين الشعب والقوات المسلحة.
المجلس الأعلي لم يحكم من قبل حتي تكون لديه خبرة في إدارة أمور البلاد، ولا أحد من مرشحي الرئاسة سبق له أن ادار قرية من قبل، فعلينا أن نعترف بأننا جميعا تنقصنا الخبرة، ونقص الخبرة ليس عيبا أو عارا، لكن العيب أن نكابر أو أن نسمع وجهة نظر طرف واحد ونجبر الباقي علي الخضوع له.
حتي الثوار أو القوي الجديدة لم يكن لها سابق خبرة، وبالتالي فالخطأ وارد، والاندفاع مرجعه الحماسة والوطنية وبالتالي لا يجب أن نسحب أشرف وأطهر ما فيهم وهو الوطنية منهم لمجرد أنهم يعارضون المجلس الأعلي.
مشكلة الذي لا يعرف أنه لا يتحرك إلا بعد فوات الأوان، وبعد أن تتحول المشكلة إلي أزمة، والأزمة الي كارثة.
الحل حتي ولو سيأتي متأخرًا: مجلس رئاسي يحكم لمدة عام علي الاقل يضع قواعد اللعبة الديمقراطية ويرسي قضبان الحرية ليسير عليها قطار الحياة.
وأرجوكم لا تحدثوني عن استفتاء تم لحسه بإعلان دستوري، فهذا الاستفتاء نفسه هو سبب البلاء الذي نحن فيه حتي الآن.
أنا لم أر التغيير.. لذا سأنزل التحرير.
No comments:
Post a Comment